فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والشهود الأول أكمل وأتم وهو متعلق بأسمائه وصفاته وتقدم علمه بالأشياء ووقوعها في الأبد مطابقة لعلمه الأزلي فهذا الشهود يعطي إيمانا ومعرفة وإثباتا للعلم والقدرة والفعل والقضاء والقدر.
وأما الشهود الثاني: فلا يعطي صاحبه معرفة ولا إيمانا ولا إثباتا لاسم ولا صفة ولا عبودية نافعة وهو أمر مشترك يشهده كل من أقر بالصانع من مسلم وكافر فإذا استغرق في شهود أزليته وتفرده بالقدم وغاب عن الكائنات: اتصل في شهوده الأزل بالأبد فأي كبير أمر في هذا وأي إيمان ويقين يحصل به ونحن لا ننكر ذوقه ولا نقدح في وجوده وإنما نقدح في مرتبته وتفضيله على ما قبله من المراقبة بحيث يكون لخاصة الخاصة وما قبله لمن هم دونهم فهذا عين الوهم والله الموفق.
فإذا اتصل في شهود الشاهد: الأزل الذي لا بداية له بالأزمنة التي يعقل لها بداية وهي أزمنة الحوادث ثم اتصل ذلك بما لا نهاية له بحيث صارت الأزمنة الثلاثة واحدا لا ماضي فيه ولا حاضر ولا مستقبل وذلك لا يكون إلا إذا شهد فناء الحوادث فناء مطلقا وعدمها عدما كليا وذلك تقدير وهمي مخالف للواقع وهو تجريد خيالي يوقع صاحبه في بحر طامس لا ساحل له وليل دامس لا فجر له.
فأين هذا من مشهد تنوع الأسماء والصفات وتعلقها بأنواع الكائنات وارتباطها بجميع الحادثات وإعطاء كل اسم منها وصفة حقها من الشهود والعبودية والنظر إلى سريان آثارها في الخلق والأمر والعالم العلوي والسفلي والظاهر والباطن ودار الدنيا ودار الآخرة وقيامه بالفرق والجمع في ذلك علما ومعرفة وحالا! والله المستعان.
قوله: ومراقبة الإخلاص من ورطة المراقبة يشير إلى فناء شهود المراقب عن نفسه وما منها وأنه يفني بمن يراقبه عن نفسه وما منها فإذا كان باقيا بشهود مراقبته: فهو في ورطتها لم يتخلص منها لأن شهود المراقبة لا يكون إلا مع بقائه والمقصود: إنما هو الفناء والتخلص من نفسه ومن صفاتها وما منها.
وقد عرفت أن فوق هذا درجة أعلى منه وأرفع وأشرف وهي مراقبة مواقع رضى الرب ومساخطه في كل حركة والفناء عما يسخطه بما يحب والتفرق له وبه وفيه ناظرا إلى عين جمع العبودية فانيا عن مراده من ربه مهما ولو علا بمراد ربه منه والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ.

.أسئلة وأجوبة:

سؤال: فإن قيل: كيف يصح أن يكون الخلق أجمع من نفس واحدة مع كثرتهم وصغر تلك النفس؟
قلنا: قد بين الله المراد بذلك لأن زوج آدم إذا خلقت من بعضه، ثم حصل خلق أولاده من نطفتهما ثم كذلك أبدا، جازت إضافة الخلق أجمع إلى آدم. اهـ.
سؤال: فإن قيل: قوله تعالى: {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} إذا كانت حواء مخلوقة من آدم، ونحن مخلوقون منه أيضا تكون نسبة حواء إلى آدم نسبة الولد لأنها متفرعة منه؛ فتكون أختا لنا لا أما!
قلنا: بعض المفسرين جعلوا {من} لبيان الجنس لا للتبعيض فمعناه: وخلق من جنسها زوجها؛ كما في قوله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ}.
الثانى: وهو الذي عليه الجمهور: أنها للتبعيض، ولكن خلق حواء من آدم لم يكن بطريق التوليد كخلق الأولاد من الآباء، فلا يلزم منه ثبوت حكم البنتية والأختية فيها. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال ابن عادل:

{مِّن نَّفْسٍ} متعلق بـ {خلقكم} فهو في محل نصب، و{من} لابتداء الغاية، وكذلك {منها زوجها وبتَّ منهما} والجمهور على واحدة بتاء التأنيث، وأجمع المسلمون على أنَّ المراد بالنفس الواحدة هاهنا آدم عليه السلام، إلا أنه أنث الوصف على لفظ النفس لقوله تعالى: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ} [الكهف: 74].
وابن أبي عبلة واحدٍ من غير تاء تأنيث وله وجهان:
أحدهما: مراعاة المعنى؛ لأنه المراد بالنفس آدم عليه السلام.
والثاني: أن النفس تذكر وتؤنث. وعليه قوله: [الوافر]
ثَلاَثَةُ أنْفُسٍ وَثَلاَثُ ذَوْدٍ ** لَقَدْ جَارَ الزَّمَانُ عَلَى عِيَالِي

قوله: {وَخَلَقَ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه عطفٌ على معنى واحدة لما فيه من معنى الفعل، كأنه قيل: من نفس وحدت أي: انفردت، يُقال: رجل وَحُد يَحِدُ وَحْدًا وَحِدَة انفرد.
الثاني: أنه عَطْفٌ على محذوف.
قال الزَّمَخْشرِيُّ: كأنه قيل: من نفسٍ واحدةٍ أنشأها أو ابتدأها وخلق منها، وإنما حذف لدلالة المعنى عليه، والمعنى شَعَّبكم من نفس واحدةٍ هذه صفتها بصفة هي بيان وتفصيل لكيفية خلقكم منها، وَإنَّما حمل الزمخشري رحمه الله تعالى والقائل الذي قبله على ذلك مراعاةُ الترتيب الوجودي؛ لأن خلق حواء- وهي المعبر عنها بالزوج- قبل خلقنا ولا حاجة إلى ذلك، لأن الواو لا تقتضي ترتيبًا على الصحيح.
الثالث: أنه عطف على {خَلْقَكُمْ}، فهو داخل في حيز الصلة والواو ولا يُبَالَى بها، إذ لا تقتضي ترتيبًا؛ إلا أن الزَّمَخشريَّ رحمه الله تعالى خَصَّ هذا الوجه بكون الخطاب للمؤمنين في {يا أيها الناس} لمعاصري الرسول عليه السلام فإنه قال: والثاني أنه يُعْطَفُ على {خلقكم} ويكون الخطاب للذين بُعِثَ إليهم الرسول، والمعنى: خلقكم من نفس آدم؛ لأنه من جملة الجنس المفرّع منه وخلق منها أُمَّكم حواء.
فظاهر هذا خصوصيَّةُ الوجه الثاني أن يكون الخطاب للمعاصرين، وفيه نظر، وَقَدَّرَ بعضهم مضافًا في {منها} أي: مِنْ جِنْسِها {زوجَها}، وهو قول أبي مسلم، قال: وهو كقوله: {والله جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} [النحل: 72] وقال: {إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ} [آل عمران: 164] وقوله: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ} [التوبة: 28]. قال: وحواء لم تخلق من آدم، وإنما خلقت من طينة فَضَلَتْ من طينة آدم.
قال الْقَاضِي: والأول أقوى لقوله: {خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ}.
قال ابن الخَطِيبُ: يمكن أن يجاب بأن كلمة مِن لابتداء الغاية، فَلمَّا كان ابتداء الغاية وهو ابتداء التخليق والإيجاد وقع بآدم صحّ أن يُقَالَ: {خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} وأيضًا فالقادر على خلق آدم من التراب، كان قادرًا أيضًا على خلق حواء من التراب، وَإذا كان كذلك فأيّ فائدة في خلقها من ضلع من أضلاعه.
وقرئ {وخالِقُ} و{باثٌّ} بلفظ اسم الفاعل، وخَرَّجَهُ الزمخشريُّ على أنه خبر لمبتدأ محذوف، أي: وهو خالِقٌ وباثٌّ.
وَيُقَالُ: بَثَّ وأبَثَّ ومعناه فَرَّقَ ثلاثيًا ورباعيًا.
قال ابن المظفر: البثُّ تَفْرِيقَكَ الأشياء.
يقال: بَثَّ الخيلَ في الغارة، وبَثَّ الصَّيادُ كِلاَبَهُ، وخلق الله الخلق: بَثَّهُمْ في الأرض، وبثثت البسطة إذا نشتريها. قال تعالى: {وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ} [الغاشية: 16].
وقوله: {كثيرًا} فيه وجهان:
أظهرهما: أنه نَعْتٌ لـ {رِجَالًا}.
قال أبو البقاء: ولم يؤنثه حَمْلًا على المعنى؛ لأن {رجالًا} بمعنى عدد أو جمع أو جنس كما ذَكَّر الفعل المسند إلى جماعةِ لمؤنثِ لقوله تعالى: {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي المدينة} [يوسف: 30].
والثاني: أنه نعت لمصدر تقديره: وبث منهم بثًا كثيرًا؛ وقد تقدم أن مذهب سيبويه في مثله النصبُ على الحالِ.
قوله: {تَسَاءَلُونَ} قرأ الكوفيون {تَسَاءَلُونَ} بتخفيف السين على حذف إحدى التاءين تخفيفًا، والأصل: {تتساءلون} به، وقَدْ تَقَدَّمَ الخلافُ: هَلْ المحذوفُ الأولى أو الثانية وقرأ الباقون بالتشديد على إدغام تاء التفاعل في السين؛ لأن مقاربتها في الهمس، ولهذا تُبْدَلُ من السين، قالوا: ست والأصل سِدْسٌ وقرأ عبد الله: {تَسْاَلُون} من سأل الثلاثي، وقُرِئَ {تَسَلون} بنقل حركة الهمزة على السين، و{تَسَاءلون} على التفاعل فيه وجهان:
أحدهما: المشاركة في السؤال.
والثاني: أنه بمعنى فَعَلَ، ويدلّ عليه قراءة عبد الله.
قال أبُو البَقَاءِ: وَدَخَلَ حَرْفُ الجرِّ في المفعول؛ لأن المعنى: تتخالفون: يعني أن الأصل تعدية تسألون إلى الضمير بنفسه، فلما ضُمِّن تتخلفون عُدِّي تَعْدِيَتَه.
قوله: {والأرحام} الجمهور نصبوا الميم، وفيه وجهان:
أحدهما: أنه عطف على لفظ الجلالة، أي: واتقوا الأرحام أي: لا تقطعوها، وقَدَّرَ بعضهم مضافً أي: قَطْعَ الأرحام.
ويقال: إنَّ هذا في الحقيقةِ من عطف الخاصِّ على العام، وذلك أن معنى اتقوا الله؛ اتقوا مخالَفَتَه، وقَطْعُ الأرحام مندرج فيه، وهذا قول مجاهد وقتادة والسَّدي والضحاك والفرّاء والزّجّاج.
قال الواحدي: ويجوز أن يكون منصوبًا بالإغراء، أي: والأرحام احفظوها وصلوها كقولك: الأسدَ الأسدَ، وهذا يَدُلُّ على تحريم قطعيةِ الرحم ووجوب صلته.
والثاني: أنه معطوف على محل المجرور في {به}، نحو: مررت بزيد وعمرًا، ولمَّ لم يَشْرَكه في الإتباع على اللفظ تبعه على الموضع، ويؤيده قراءة عبد الله وبالأرحام.
وقال أبو البقاء: تُعَظِّمُونه والأرحام، لأنَّ الحَلْفَ به تَعْظِيم له، وقرأ حمزة {والأرحامِ} بالجر، قال القفال: وقد رويت هذه القراءة عن مجاهد وغيره، وفيها قولان:
أحدهما: أنه عَطَفَ على الضمير المجرور في {به} من غير إعادة الجار، وهذا لا يجيزه البصريون، وقد تَقَدَّم تحقيقُ ذلك، وأن فيها ثلاثةَ مذاهب، واحتجاج كل فريق في قوله تعالى: {وَكُفْرٌ بِهِ والمسجد الحرام} [البقرة: 217] وقد طَعَنَ جَمَاعَةٌ في هذه القراءة، كالزجاج وغيره، حتى يحكى عن الفراء الذي مذهبه جوازُ ذلك أنه قال: حدثني شريك بن عبد الله عن الأعمش عن إبراهيم، قال: {والأرحام} بخفض [الأرحام] هو كقولهم: أسألك باللَّهِ والرحمِ قال: وهذا قبيح؛ لأنَّ العرب لا ترُدُّ مخفوضًا على مخفوضٍ قَدْ كُنِي به، وَضَعَّفَهُ بَعْضُهمُ بأنه عطف للمظهر على الضمير، وهو لا يجوز.
قال ابن عيس: إنهم لم يستحسنوا عطف المظهر على الضمير المرفوع، فلا يجوز أن يقال: اذهب وزيد وذهبت وزيدا، بل يقولون: اذهبْ أنت وزيد وذهبت أنا وزيد، قال تعالى: {فاذهب أَنتَ وَرَبُّكَ} [المائدة: 24] مع أن الضمير المرفوع قد ينفصل، فإذا لم يجز عطف المظهر على الضمير المرفوع مع أنه أقوى من الضمير المجرور، بسبب أنه قد ينفصل؛ فلأن لا يجوز عطف المظهر على الضمير المجرور، مع أنه لا ينفصل أَلْبَتَّةَ أولى.
والثاني: أنه ليس معطوفًا على الضمير المجرور، بل الواو للقسم وهو خفض بحرف القسم مقسم به، وجوابُ القسمِ {إِنَّ الله كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} وضُعِّفَ هذا بوجهين:
أحدهما: أن قراءتي النصبِ وإظهار حرفِ الجر في بالأرحام يمنعان من ذلكَ، والأصلُ توافق القراءات.
والثاني: أنَّهُ نُهِيَ أن يُحْلَفَ بغيرِ الله تعالى، والأحاديثُ مُصَرَّحةٌ بذلك.
وَقَدَّرَ بَعْضهم مضافًا فرارًا من ذلك فقال: ورَبِّ الأرحام.
قال أبو البقاء: وهذا قد أغنى عنه ما قبله يعني: الحلف بالله تعالى.
ويمكن الجواب عن هذا بأن للهَ تعالى أن يُقسمَ بما يشاء من مخلوقاته كما أقسم بالشمس والنجم والليل، وإن كنا نَحْنُ منهيين عن ذلك، إلا أنَّ المقصود من حيث المعنى، ليس على القسم، فالأولى حمل هذه القراءات على العطف على الضمير، ولا التفات إلى طَعْنِ مَنْ طَعَنَ فيها.